اعتلى عرش مصر الكثير من الملوك الأفذاذ منذ بداية العصور التاريخية وكان منهم من ترك لنا الآثار المقامة مثل الأهرامات والمعابد أو بقايا القصور والمقابر أو الآثار التى عثر عليها فى مقبرته، وهناك من لم نعثر له على أثر سوى اسمه الذى ذكر فى احدى الحوليات أو فى قوائم الملوك، أو من الاشارة اليه فى النصوص القديمة.
وقد وصلتنا من عصور المصريين القدماء عدة قوائم باسماء الملوك أهمها قائمة سقارة، وقائمة أبيدوس، وقائمة الكرنك، كما وصلتنا حوليات حجر بالرمو، وبردية تورين، وكتابات المؤرخين. وأغفلت القوائم المذكورة والحوليات أسماء المغتصبين من الحكام وكذلك المستعمرين مثل الهكسوس والملوك الذين اعتبروا من الكفرة الذين خرجوا على شريعة المصريين ونسلهم مثل اخناتون وأخيه سمنخ كارع وتوت عنخ أمون وآى، كما أغفلت السيدات اللائى حكمن مثل نيتوكريس وسبك نفرو وحتشبسوت وتاوسرت.
ولو تتبعنا ملوك عصر الامبراطورية أو عصر الدولة الحديثة (1550 – 1080 ق.م) التى تكونت من ثلاث أسر حاكمة هى الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون، لرأينا أن هؤلاء الملوك ورجالات الدولة عملوا على توسيع نفوذ الامبراطورية المصرية فى الشمال والجنوب بدءاً بالملوك العظام أمثال تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث ورمسيس الثانى، ونهاية بالملك رمسيس الثالث الذى استطاع أن يصد هجمات شعوب البحر الأبيض المتوسط وغيرهم ممن ارادوا الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجى ورخائها واستقرارها وبغية تقليل نفوذها فى الشرق الأدنى القديم.
فقد رأى ملوك الأسرة الثامنة عشرة أن مصر الضعيفة غير المتحدة كانت مطمعاً للآسيويين الذين سموا فى التاريخ باسم الهكسوس، ولذلك عمل هؤلاء الملوك جاهدين على بناء جيش قوى لحماية البلاد وأمنها ثم انفتحوا على العالم القديم شماله وجنوبه مصدرين ومستوردين للحضارة والفنون والعقائد والفكر. ووعى تحتمس الثالث الدرس جيداً فى أن مصر القوية المستقرة التى يخافها الطامعون والمغامرون هى التى تستطيع أن تنعم بحياتها وتستفيد من رخائها وتفجر طاقاتها فى جميع المجالات، وأن مصر القوية تضمن سلامة قوافلها التجارية عبر دروب الصحراء والوديان وفى البحار لوصول المواد الخام اللازمة لحضارتها مثل الأحجار شبة الكريمة والمعادن والأخشاب والحيوانات الأليفة والمتوحشة والمنتجات الأخرى.
وازدهرت مصر فى عصر الأسرة الثامنة عشرة ازدهاراً كبيراً وظهر ذلك جلياً فى بناء العمائر الدينية والجنائزية الشاهقة وفى القصور الرائعة وفى المقابر الملكية الفخمة ومقابر الخاصة من كبار الموظفين التى حفلت بالمناظر المصورة للحفلات والضياع أو فى الآثار التى عثر عليها والتى تزين متاحف الدنيا فى العصر الحديث.
وبعد الملك تحتمس الثالث اعتلى عرش البلاد ملوك عظام هم أمنحتب الثانى وتحتمس الرابع واخيراً فى عام 1376 ق.م وصل الى العرش الملك الشاب أمنحتب الثالث الذى كان مولعاً بالفنون مثل أجداده وتزوج من تى ابنة الكاهن وريس الفرسان "يويا" وكاهنة حتحور ومين "ثويا" وكانت الملكة "تى" قوية الشخصية، جميلة، استطاعت أن تساند زوجها فى قيادته للبلاد بكل حكمة وشجاعة، وأنجبت له البنين والبنات (امنتحب الرابع وإخناتون وسمنخ كارع ومريت امون وسيت آمون) وزواج الملك أمنحتب الثالث من تى يعتبر فى حد ذاته خروجاً على التقاليد الملكية فى الزواج حيث كانت العادة أن يتزوج الأمير أخته غير الشقيقة أو احدى أميرات القصر الملكى لكى يحتفظ بالدم الملكى فى العائلة. وقد أعلن زواج أمنحتب الثالث على الجعارين التى كانت ترسل الهدايا لكبار رجال الدولة تذكر زواج الملك من تى وتذكر والديها دون حرج. وتولى عرش البلاد أمنحتب الرابع (اخناتون) بعد والده، وتزوج اخناتون من نفرتيتى ابنة الحسب والنسب التى أنجبت له ست بنات ولم تنجب له الولد .
واشتهر اخناتون بأنه أول من نادى بإله واحد فى مصر القديمة حيث كانت ديانات التعدد والوثنية سائده، وأناشيد اخناتون الدينية للإله آتون (الواحد) ما زالت ترن فى أذاننا وهى تمجد الإله الواحد "الذى خلق كل شىء" ولم يكن قبله شىء وأصبحت صورته هى قرص الشمس فقط بعد أن كانت صور الالهة اشخاصاً أو حيوانات أو اشكالاً مزدوجة (حيوان وانسان) وترك أخناتون حاضرة الأجداد طيبة واختار مكانا جديدا لاقامته هى آخت أتون (أى افق آتون) وهى تل العمارنة فى محافظة المنيا حاليا. وأصبح الفن حراً واستطاع أن ينفذ الى جنبات القصر الملكى ويصور الفنانون الملك مع عائلته فى حرية تامة. وبعد أن حكم اخناتون حوالى سبعة عشر عاماً (1365 – 1348 ق.م) كانت معابد آمون فيها مغلقة واوقافها مصادرة، اختفى الملك وتوفى أيضاً أخوه سمنخ كارع وكان يعد لأن يكون ولياً للعرش بعد زواجه من مريت أتون ابنه اخناتون الكبرى. واعتلى توت عنخ امون الصبى الصغير ابن العاشرة عرش البلاد حوالى عام 1348 ق.م وغير اسمه الى توت عنخ أمون بعد اعادته لديانة أمون مرة أخرى، وكان يعتقد بإنه ابن لامنحتب الثالث أنجبه على كبر من زوجه تى التى وصل سنها 48 عاماً أو أكثر. وجاء هذا الاعتقاد نتيجة العثور على تمثال أسد فى جبل برقل بالسودان كتب توت عنخ أمون عليه أن والده هو امنحتب الثالث، كما تأيد ذلك بوجود خصلة شعر الملكة تى ضمن مقتنيات مقبرة توت عنخ أمون فى تابوت صغير جداً. ويبدو الآن أن النظرية الأقرب للتصديق هى أن توت عنخ أمون كان ابناً لاخناتون من زوجة ثانوية تسمى "كيا" وهناك بعض القرائن التى تؤيد هذه النظرية. وتزوج الملك الصغير الأميرة عنخ اس ان با آتون ابنة اخناتون من نفرتيتى وأرملته ايضاً، وغير اسمها الى عنخ اس ان آمون واكتسب من خلالها شرعية الحكم، وكان صبياً معتل الصحة ويظهر ذلك فى صوررة على الآثار وهو يجلس على العرش فى استرخاء أو وهو يقف مستنداً الى عصاته أو وهو يصطاد الطيور جالساً على كرسيه، كما أنه توفى وهو فى حوالى العشرين من عمره (عام 1337 ق.م) وقد فحصت مومياؤه عند اكتشافها ورجح أن سبب الوفاة آنئذ هو مرض رئوى وكذا ورم فى المخ لوجود تجويف كبير فى جمجمته. وعند فحص الجمجمة مرة أخرى عام 1967 ظهر بها شبه كسر بسيط رجح أن يكون سبباً لوفاته نتيجة ضربه باله حادة من عملاء آى وحور محب الأوصياء على العرش ومقدرات البلاد، ولكن يبدو ان هذا الأستنتاج بعيد الصحة، حيث لم يكن لتوت عنخ آمون أعداء، ولم يكن له نفوذ فى تسيير مقاليد الحكم، وكان محبوباً وأعاد ديانة آمون مرة أخرى وفتح معابد الآلهة فى العام الثالث من حكمه بعد أن كان اخناتون قد أغفلها. ولذلك فلم يكن لأحد أن يدبر مؤامرة لقتله بل على العكس من ذلك نراه وقد دفن مع كل كنوزه وأثاثه الجنائزى بالتمام والكمال وبعد عمل المراسم والطقوس. ويظهر أن الغضب على هذا الملك جاء نتيجة أنه ينتسب لعائلة اخناتون التى غيرت من الديانة التقليدية للمصريين القدماء. ويرجح أنه عاد الى طيبة (الأقصر) العاصمة القديمة وهجر تل العمارنة.
وبعد وفاة الملك أرادت زوجته منخ اس ان آمون ان تتزوج أميراً أجنبياً حيثيا لكى يكون ملكاً على عرش البلاد، وكان عمرها آنذاك حوالى 22 عاماً مما حدا بحور محب أن يفشل هذا المخطط ويتولى هو عرش البلاد. والقصة وصلت لنا مكتوبة على خطاب عثر عليه ضمن مخطوطات الحيثين فى أسيا الصغرى وتذكر ان ملكة مصر أرسلت مبعوثا لملك الحيثيين برسالة تقول فيها "لقد توفى زوجى وليس لدى ولد ويتردد بأن لك اولاداً كثرين، فأرسل أحدهم ليصبح زوجى لأنه من المهين لى أن اتخذ أحد من خدمى زوجاً". وهنا جمع ملك الحيثيين رجال بلاطه وأخبرهم بالموضوع الذى كان غريباً جداً، وقال لهم: "لم يحدث مثل هذا ابداً منذ أقدم العصور"، ولذلك فقد أرسل أحد رجال بلاطه وطلب منه أن يحضر "اخباراً مؤكدة حيث يبدو أنهم يريدون خداعى"
وهنا أرسلت ملكة مصر خطاباً آخر للملك تقول فيه:"لماذا تقول انهم يريدون خداعى؟ لو كان لدى ولد، أكان من المعقول أن أكتب لبلد أجنبى بطريقة مهينة لى ولبلدى؟ أنك لا تثق بى ,انت تقول لى هذا. ولقد توفى زوجى وليس لى ابن فهل تعتقد أنه يمكننى أن اتخذ خادما لى وأجعله زوجى!؟ لم اكتب لبلد أخر ولكنى كتبت لك وحدك، لأنه يقال بأن لك ابناء كثيرين، اعطنى أحد أبنائك، وسوف يصبح زوجاً لى وسوف يصير سيداً على أرض مصر". ويبدو انها لم تكن لترضى بزواج أحد رجالات البلاط او الجيش أمثال آى أو حور محب، والواضح ايضاً أن حور محب قد علم بمثل هذه المراسلات التى أرسلتها الملكة لملك أجنبى، وتربص رجاله بالأمير زنانا ابن ملك الحيثين الذى كان فى طريقه الى مصر، وقتلوه. وقد أدى هذا العمل من جانب المصريين الى قيام حالة حرب بين مصر ودولة الحيثيين واراد مليكهم "شبيلو ليوما" غزو مصر، ولكنه لم يستطع حيث نظم القائد حور محب دفاعات قوية لحماية حدود البلاد. وهنا قام آى العجوز الذى كان ينتمى لأسرة اخناتون بحكم مصر لمدة عامين تقريباً. وقد دفن توت عنخ آمون فى مقبرة كانت معدة اصلاً لخليفته آى فى وادى الملوك، أما مقبرته الأصلية فكانت تحفر وتجهز فى وادى الملوك الغربى ليست بعيدة عن مقبرة أمنحتب الثالث (جده لأبيه) لكن عندما توفى توت عنخ أمون قبل اكتمال مقبرته نقلت حاجياته الى مقبرة آى التى كانت قد حفرت فى الصخر، ثم زخرفت الجدران برسوم ملونة نفذت ببساطة ودون تجهيز السطح جيداً مثل باقى مقابر وادى الملوك القديم منها.
كشف المقبرة
كانت العادة فى القرن التاسع عشر أن يصدر الولى أو الخديوى فرماناً يحق بموجبه لبعض الباحثين الأجانب أن يقوموا باجراء الحفائر لاكتشاف الآثار الموجودة فى باطن الأرض وكانت تقسم بين الحكومة المصرية والمكتشف بنسبة 50% لكل منهما، وكان امتياز الحفر فى وادى الملوك الضيق الذى يبعد عن العمران بحوالى ثلاثة كيلو مترات بين جبال الضفة الغربية للنيل بالأقصر، قد أعطى لكثير من المكتشفين من قبل أهمهم الفرنسى فيكتور لوريه 1898 الذى كان يعمل لمصلحة الآثار المصرية، والأمريكى تيودور ديفيز 1903 – 1912 واللورد كارنر فون 1907 – 1927 وغيرهم.
ونظراً لأن الحرب العالمية الأولى قد أوقفت الكثير من النشاطات الأثرية فى مصر ما بين أعوام 1914 و 1917، فقد عادت الحفائر بواسطة بعثة اللورد كارنر فون بقيادة هوارد كارتر عام 1917، وكادت أن تتوقف بعد خمسة اعوام لم ينجح كارتر فى اكتشاف آثار هامة فيها، ثم اعاد كارتر حفائره مره أخرى فى الأول من نوفمبر سنة 1922، وفى اليوم الرابع لبدء الحفر فى موقع بالقرب من مدخل مقبرة رمسيس السادس التى كانت مكتشفة من قبل فى وسط الوادى، عثر على أول درجة من درجات السلم التى قادت بعد ذلك لاكتشاف مقبرة توت عنخ أمون فى الرابع من نوفمبر، وكانت درجات السلم مدفونة فى رديم من كسر الحجارة توصل الى بابا محفور فى الصخر كان مغلقاً بكتل من الحجر الجيرى عليها "لياسة" من الجبس والطين وجدت عليها أختام الجبانة الملكية (ابن آوى والأقواس التسعة) وبعد ذلك كان هناك ممر منحدر ملىء بالرديم يوصل الى باب الدخول للحجرات السفلية التى قادت الى أعظم كشف أثرى فى تاريخ البشرية، الا وهو كنوز الملك توت عنخ امون.
وهنا أرسل كارتر برقية للورد كارنر فون يقول فيها "اخيراً عثرنا على كشف أثرى مهم فى الوادى مقبرة رائعة اختامها سليمة، وقد ردمناها لحين حضوركم. أقدم لك التهانى" وقد حضر كارنر فون الى الأقصر بعد ذلك وتم فتح المقبرة بعد إزالة أختام الملك توت عنخ أمون من على السدة الثانية لمدخل المقبرة حيث وضح ان المقبرة كانت قد فتحت للسرقة منها فى عصر رمسيس السادس (1123ق.م) أى بعد أكثر من 215 سنة من اغلاقها عام 1337، ثم أغلقت المقبرة وختمت مرة أخرى….
ويبدو أن ما حمى هذه المقبرة الخاصة بتوت عنخ آمون من السرقة هو حفر مقبرة رمسيس السادس فوقها وكانت قطع الأحجار الصغيرة المستخرجة منها تلقى فوق مدخل مقبرة توت عنخ آمون التى "نقرت" قبلها، ولذلك فقد كان من الصعب على لصوص المقابر فى ما تلا ذلك من عصور ان يتذكروا أن هناك مقبرة أخرى فى هذا المكان الذى توجد به مقبرة رمسيس السادس.
وقد كان يوم 26 نوفمبر 1922 يوماً مشهوداً وعلامة بارزة فى تاريخ الآثار المصرية حيث أزيلت السدة التى تفصل بين المنحدر والحجرات الداخلية للمقبرة، وعثر فى هذا المكان المسمى بالصالة المستعرضة على الكثير من قطع الأثاث والأوانى الحجرية والعجلات الحربية وحاويات الطعام التى اعتقد كارتر عند رؤيتها أنه عثر على مخزن أو خبيئة كنوز وادى الملوك التى جمعت وأنقذت من لصوص العصور القديمة، الا أنه اتضح بعد ذلك أن هذا الأثاث الجنائزى الرابع لشخص واحد هو توت عنخ آمون المسجل اسمه على أغلب هذه القطع الأثرية وهذا ما جعل كارتر يكتب فى مذكراته أن هذا اليوم هو "يوم الأيام، وأعظم ما عشت، ومن المؤكد أننى لا أمل أن أعيشه مرة أخرى" وقد تم فتح حجرة الدفن فى 17 فبراير 1923 فى حضور كارنر فون.
واكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سليمة تقريباً فى وادى الملوك عام 1922 أوضح لنا الكثير من العقائد الدينية والجنائزية الملكية فى مصر القديمة. فالملك يدفن معه كل متعلقاته الشخصية التى كان يستعملها فى حياته منذ كان طفلاً، فهناك لعب الأطفال التى تتحرك أجزاؤها، وهناك لعبه "الضاما" وعصى الصيد المقوسة (البوميرانج) وأدوات الكتابة من أقلام والواح والوان، وهناك الملابس والاكسسوارات والحلى التى تستعمل فى الحياة اليومية وفى رحلته للعالم الآخر، وضمن اثاث المقبرة كرسى العرش الوحيد الذى وصل لنا من حضارة المصريين القدماء والأسرة، كما وجدت هناك الصولجانات ورموز القداسة والحكم .. ولا ننسى العجلات التى كانت تجرها الخيول وأدوات القتال من سيوف وخناجر وأقواس وحراب، وهناك التابوت الذهبى للملك الذى يزن أكثر من 110 كيلوجرامات، والقناع الذهبى المرصع بالأحجار شبه الكريمة ووزنه أحد عشر كيلو جراماً، والذى كان يغطى وجه المومياء.
كما يوجد تابوتان آخران من الخشب المغطى بالذهب وهناك 314 تمثالاً من التماثيل المسماة المجيبة (الشوابتى) والتى كانت توضع فى المقبرة لكى تقوم بالعمل بدلاً من الملك فى العالم الآخر . كما يوجد 32 تمثالاً للملك وألهة العالم الآخر من الخشب المذهب، وعثر فى المقبرة ايضا على كثير من الصناديق المزخرفة بالمناظر الحربية ومناظر الصيد والترفيه والمقاصير الكبيرة من الخشب المذهب التى ملأت حجرة الدفن ونقشت عليها مناظر من كتب العالم السفلى تصور علاقة الملك مع الشمس والمعبودات المختلفة. وهناك فى المقصورة الكبرى قصة هلاك البشر التى تبشر بغفران الرب لعباده، حتى العاصين منهم.
ومن الآثار الهامة التى عثر عليها فى مقبرة الملك الشاب توت عنخ أمون مجموعة من 143 قطعة من الحلى الذهبية المرصعة بأحجار شبه كريمة أغلبها يمثل معبود الشمس بأشكاله المختلفة والقمر ايضاً، فهناك الأساور والأقراط والخواتم والصدريات والدلايات، بل هناك درع صنع للملك من الذهب ورصع بالأحجار والزجاج الملون وزخرف بأشكال المعبودات التى تحمى الملك وترعاه فى حياته وبعد وفاته، كما عثر هناك على مجموعة هائلة من الأوانى التى صنعت من الألبستر أهمها بالطبع ذلك الإناء الذى يمثل علامة الوحدة بين شطرى البلاد يربطهما معبود النيل، كما يوجد هناك مصباح ليلى (أباجورة) من الألباستر صنع بطريقة فنية رائعة تظهر صورة الملك مع زوجته عند اضاءته. ولمساعدة الملك فى رحلته للعالم الآخر ايضاً، صنعت له ثلاثة أسرة جنائزية لتحمله فوق ظهرها وتصعد به الى السموات البعيدة.
ويبدو أن ما سرق من المقبرة فى العصور القديمة كان بعض الحلى والعطور والزيوت وربما تمثال من الذهب لمعبودة كان موجوداً فى مقصورة صغيرة من الخشب المغشى بالذهب.
توت عنخ أمون ولعنة الفراعنة
بعد أن كشف هوارد كارتر مقبرة توت عنخ أمون توفى اللورد كارنر فون العجوز نتيجة الارهاق وربما من الحمى التى اصابته، وهنا ساد اعتقاد فى العالم الغربى أن "لعنة الفراعنة" هى التى أصابت اللورد، وانتشرت الفكرة على نطاق واسع، وأصبحت كل حادثة مؤسفة لأثريين مرتبطة بلعنة الفراعنة.
ونصوص اللعنات لمن يعتدى على المقابر ويسرقها معروفة منذ أقدم العصور، وفيها يستعين من يلعن بقوى عظمى لتساعده حيث يطلب من إحدى المعبودات أن تضر عدوه ضرراً بالغاً، وأن تحكم بينه وبين عدوه.
ونحن لا نعتقد بوجود "لعنة" ما أضرت باللورد كارنر فون الممول الرئيسى لعمليات كشف مقبرة توت عنخ أمون، ونرى أن وفاته ليس لها صلة بمثل هذه اللعنة. ولو كانت هناك لعنة لكانت قد أصابت هوارد كارتر مكتشف المقبرة الذى توفى بعد هذا الكشف بسبعة عشر عاماً، وعلى العكس تماماً فقد اشتهر اللورد كارنر فون وهوارد كارتر نفسه واقترن اسماهما باسم توت عنخ آمون منذ اكتشاف المقبرة والى الأبد. وسوف يجد زائر مقبرة توت عنخ أمون فى وادى الملوك بالأقصر، تابوتاً من حجر الكوارتزيت البنى اللون يحوى ثلاثة توابيت على هيئة الانسان، ويوجد الآن بالتابوت الحجرى التابوت الأكبر المصنوع من الخشب والمغشى بالذهب وبه مومياء توت عنخ أمون التى قاست من عبث المكتشفين الذين أرادوا نزع الحلى الذهبية سليمة ولم يراعوا حالة مومياء الملك الشاب الموجودة الآن داخل صندوق من الخشب ملىء بالرمال وحالتها سيئة. وآثار توت عنخ أمون موجود أغلبها فى المتحف المصرى بالقاهرة، والقليل منها فى متحف الأقصر، والأمل كبير فى أن تحظى هذه المجموعة الرائعة والفريدة بجناح كبير فى المتحف المصرى الجديد المزمع بناؤه فى الجيزة بالقرب من الأهرامات فى الأرض التى خصصت له عند مدخل طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوى على مساحة 117 فداناً حيث تتوفر المساحات الكافية للعرض، والبيئة الخالية من التلوث، والاضاءة المناسبة، ولكى تكون مجالاً للجذب السياحى الكبير والمتوقع فى المستقبل القريب بإذن الله.
وقد وصلتنا من عصور المصريين القدماء عدة قوائم باسماء الملوك أهمها قائمة سقارة، وقائمة أبيدوس، وقائمة الكرنك، كما وصلتنا حوليات حجر بالرمو، وبردية تورين، وكتابات المؤرخين. وأغفلت القوائم المذكورة والحوليات أسماء المغتصبين من الحكام وكذلك المستعمرين مثل الهكسوس والملوك الذين اعتبروا من الكفرة الذين خرجوا على شريعة المصريين ونسلهم مثل اخناتون وأخيه سمنخ كارع وتوت عنخ أمون وآى، كما أغفلت السيدات اللائى حكمن مثل نيتوكريس وسبك نفرو وحتشبسوت وتاوسرت.
ولو تتبعنا ملوك عصر الامبراطورية أو عصر الدولة الحديثة (1550 – 1080 ق.م) التى تكونت من ثلاث أسر حاكمة هى الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون، لرأينا أن هؤلاء الملوك ورجالات الدولة عملوا على توسيع نفوذ الامبراطورية المصرية فى الشمال والجنوب بدءاً بالملوك العظام أمثال تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث ورمسيس الثانى، ونهاية بالملك رمسيس الثالث الذى استطاع أن يصد هجمات شعوب البحر الأبيض المتوسط وغيرهم ممن ارادوا الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجى ورخائها واستقرارها وبغية تقليل نفوذها فى الشرق الأدنى القديم.
فقد رأى ملوك الأسرة الثامنة عشرة أن مصر الضعيفة غير المتحدة كانت مطمعاً للآسيويين الذين سموا فى التاريخ باسم الهكسوس، ولذلك عمل هؤلاء الملوك جاهدين على بناء جيش قوى لحماية البلاد وأمنها ثم انفتحوا على العالم القديم شماله وجنوبه مصدرين ومستوردين للحضارة والفنون والعقائد والفكر. ووعى تحتمس الثالث الدرس جيداً فى أن مصر القوية المستقرة التى يخافها الطامعون والمغامرون هى التى تستطيع أن تنعم بحياتها وتستفيد من رخائها وتفجر طاقاتها فى جميع المجالات، وأن مصر القوية تضمن سلامة قوافلها التجارية عبر دروب الصحراء والوديان وفى البحار لوصول المواد الخام اللازمة لحضارتها مثل الأحجار شبة الكريمة والمعادن والأخشاب والحيوانات الأليفة والمتوحشة والمنتجات الأخرى.
وازدهرت مصر فى عصر الأسرة الثامنة عشرة ازدهاراً كبيراً وظهر ذلك جلياً فى بناء العمائر الدينية والجنائزية الشاهقة وفى القصور الرائعة وفى المقابر الملكية الفخمة ومقابر الخاصة من كبار الموظفين التى حفلت بالمناظر المصورة للحفلات والضياع أو فى الآثار التى عثر عليها والتى تزين متاحف الدنيا فى العصر الحديث.
وبعد الملك تحتمس الثالث اعتلى عرش البلاد ملوك عظام هم أمنحتب الثانى وتحتمس الرابع واخيراً فى عام 1376 ق.م وصل الى العرش الملك الشاب أمنحتب الثالث الذى كان مولعاً بالفنون مثل أجداده وتزوج من تى ابنة الكاهن وريس الفرسان "يويا" وكاهنة حتحور ومين "ثويا" وكانت الملكة "تى" قوية الشخصية، جميلة، استطاعت أن تساند زوجها فى قيادته للبلاد بكل حكمة وشجاعة، وأنجبت له البنين والبنات (امنتحب الرابع وإخناتون وسمنخ كارع ومريت امون وسيت آمون) وزواج الملك أمنحتب الثالث من تى يعتبر فى حد ذاته خروجاً على التقاليد الملكية فى الزواج حيث كانت العادة أن يتزوج الأمير أخته غير الشقيقة أو احدى أميرات القصر الملكى لكى يحتفظ بالدم الملكى فى العائلة. وقد أعلن زواج أمنحتب الثالث على الجعارين التى كانت ترسل الهدايا لكبار رجال الدولة تذكر زواج الملك من تى وتذكر والديها دون حرج. وتولى عرش البلاد أمنحتب الرابع (اخناتون) بعد والده، وتزوج اخناتون من نفرتيتى ابنة الحسب والنسب التى أنجبت له ست بنات ولم تنجب له الولد .
واشتهر اخناتون بأنه أول من نادى بإله واحد فى مصر القديمة حيث كانت ديانات التعدد والوثنية سائده، وأناشيد اخناتون الدينية للإله آتون (الواحد) ما زالت ترن فى أذاننا وهى تمجد الإله الواحد "الذى خلق كل شىء" ولم يكن قبله شىء وأصبحت صورته هى قرص الشمس فقط بعد أن كانت صور الالهة اشخاصاً أو حيوانات أو اشكالاً مزدوجة (حيوان وانسان) وترك أخناتون حاضرة الأجداد طيبة واختار مكانا جديدا لاقامته هى آخت أتون (أى افق آتون) وهى تل العمارنة فى محافظة المنيا حاليا. وأصبح الفن حراً واستطاع أن ينفذ الى جنبات القصر الملكى ويصور الفنانون الملك مع عائلته فى حرية تامة. وبعد أن حكم اخناتون حوالى سبعة عشر عاماً (1365 – 1348 ق.م) كانت معابد آمون فيها مغلقة واوقافها مصادرة، اختفى الملك وتوفى أيضاً أخوه سمنخ كارع وكان يعد لأن يكون ولياً للعرش بعد زواجه من مريت أتون ابنه اخناتون الكبرى. واعتلى توت عنخ امون الصبى الصغير ابن العاشرة عرش البلاد حوالى عام 1348 ق.م وغير اسمه الى توت عنخ أمون بعد اعادته لديانة أمون مرة أخرى، وكان يعتقد بإنه ابن لامنحتب الثالث أنجبه على كبر من زوجه تى التى وصل سنها 48 عاماً أو أكثر. وجاء هذا الاعتقاد نتيجة العثور على تمثال أسد فى جبل برقل بالسودان كتب توت عنخ أمون عليه أن والده هو امنحتب الثالث، كما تأيد ذلك بوجود خصلة شعر الملكة تى ضمن مقتنيات مقبرة توت عنخ أمون فى تابوت صغير جداً. ويبدو الآن أن النظرية الأقرب للتصديق هى أن توت عنخ أمون كان ابناً لاخناتون من زوجة ثانوية تسمى "كيا" وهناك بعض القرائن التى تؤيد هذه النظرية. وتزوج الملك الصغير الأميرة عنخ اس ان با آتون ابنة اخناتون من نفرتيتى وأرملته ايضاً، وغير اسمها الى عنخ اس ان آمون واكتسب من خلالها شرعية الحكم، وكان صبياً معتل الصحة ويظهر ذلك فى صوررة على الآثار وهو يجلس على العرش فى استرخاء أو وهو يقف مستنداً الى عصاته أو وهو يصطاد الطيور جالساً على كرسيه، كما أنه توفى وهو فى حوالى العشرين من عمره (عام 1337 ق.م) وقد فحصت مومياؤه عند اكتشافها ورجح أن سبب الوفاة آنئذ هو مرض رئوى وكذا ورم فى المخ لوجود تجويف كبير فى جمجمته. وعند فحص الجمجمة مرة أخرى عام 1967 ظهر بها شبه كسر بسيط رجح أن يكون سبباً لوفاته نتيجة ضربه باله حادة من عملاء آى وحور محب الأوصياء على العرش ومقدرات البلاد، ولكن يبدو ان هذا الأستنتاج بعيد الصحة، حيث لم يكن لتوت عنخ آمون أعداء، ولم يكن له نفوذ فى تسيير مقاليد الحكم، وكان محبوباً وأعاد ديانة آمون مرة أخرى وفتح معابد الآلهة فى العام الثالث من حكمه بعد أن كان اخناتون قد أغفلها. ولذلك فلم يكن لأحد أن يدبر مؤامرة لقتله بل على العكس من ذلك نراه وقد دفن مع كل كنوزه وأثاثه الجنائزى بالتمام والكمال وبعد عمل المراسم والطقوس. ويظهر أن الغضب على هذا الملك جاء نتيجة أنه ينتسب لعائلة اخناتون التى غيرت من الديانة التقليدية للمصريين القدماء. ويرجح أنه عاد الى طيبة (الأقصر) العاصمة القديمة وهجر تل العمارنة.
وبعد وفاة الملك أرادت زوجته منخ اس ان آمون ان تتزوج أميراً أجنبياً حيثيا لكى يكون ملكاً على عرش البلاد، وكان عمرها آنذاك حوالى 22 عاماً مما حدا بحور محب أن يفشل هذا المخطط ويتولى هو عرش البلاد. والقصة وصلت لنا مكتوبة على خطاب عثر عليه ضمن مخطوطات الحيثين فى أسيا الصغرى وتذكر ان ملكة مصر أرسلت مبعوثا لملك الحيثيين برسالة تقول فيها "لقد توفى زوجى وليس لدى ولد ويتردد بأن لك اولاداً كثرين، فأرسل أحدهم ليصبح زوجى لأنه من المهين لى أن اتخذ أحد من خدمى زوجاً". وهنا جمع ملك الحيثيين رجال بلاطه وأخبرهم بالموضوع الذى كان غريباً جداً، وقال لهم: "لم يحدث مثل هذا ابداً منذ أقدم العصور"، ولذلك فقد أرسل أحد رجال بلاطه وطلب منه أن يحضر "اخباراً مؤكدة حيث يبدو أنهم يريدون خداعى"
وهنا أرسلت ملكة مصر خطاباً آخر للملك تقول فيه:"لماذا تقول انهم يريدون خداعى؟ لو كان لدى ولد، أكان من المعقول أن أكتب لبلد أجنبى بطريقة مهينة لى ولبلدى؟ أنك لا تثق بى ,انت تقول لى هذا. ولقد توفى زوجى وليس لى ابن فهل تعتقد أنه يمكننى أن اتخذ خادما لى وأجعله زوجى!؟ لم اكتب لبلد أخر ولكنى كتبت لك وحدك، لأنه يقال بأن لك ابناء كثيرين، اعطنى أحد أبنائك، وسوف يصبح زوجاً لى وسوف يصير سيداً على أرض مصر". ويبدو انها لم تكن لترضى بزواج أحد رجالات البلاط او الجيش أمثال آى أو حور محب، والواضح ايضاً أن حور محب قد علم بمثل هذه المراسلات التى أرسلتها الملكة لملك أجنبى، وتربص رجاله بالأمير زنانا ابن ملك الحيثين الذى كان فى طريقه الى مصر، وقتلوه. وقد أدى هذا العمل من جانب المصريين الى قيام حالة حرب بين مصر ودولة الحيثيين واراد مليكهم "شبيلو ليوما" غزو مصر، ولكنه لم يستطع حيث نظم القائد حور محب دفاعات قوية لحماية حدود البلاد. وهنا قام آى العجوز الذى كان ينتمى لأسرة اخناتون بحكم مصر لمدة عامين تقريباً. وقد دفن توت عنخ آمون فى مقبرة كانت معدة اصلاً لخليفته آى فى وادى الملوك، أما مقبرته الأصلية فكانت تحفر وتجهز فى وادى الملوك الغربى ليست بعيدة عن مقبرة أمنحتب الثالث (جده لأبيه) لكن عندما توفى توت عنخ أمون قبل اكتمال مقبرته نقلت حاجياته الى مقبرة آى التى كانت قد حفرت فى الصخر، ثم زخرفت الجدران برسوم ملونة نفذت ببساطة ودون تجهيز السطح جيداً مثل باقى مقابر وادى الملوك القديم منها.
كشف المقبرة
كانت العادة فى القرن التاسع عشر أن يصدر الولى أو الخديوى فرماناً يحق بموجبه لبعض الباحثين الأجانب أن يقوموا باجراء الحفائر لاكتشاف الآثار الموجودة فى باطن الأرض وكانت تقسم بين الحكومة المصرية والمكتشف بنسبة 50% لكل منهما، وكان امتياز الحفر فى وادى الملوك الضيق الذى يبعد عن العمران بحوالى ثلاثة كيلو مترات بين جبال الضفة الغربية للنيل بالأقصر، قد أعطى لكثير من المكتشفين من قبل أهمهم الفرنسى فيكتور لوريه 1898 الذى كان يعمل لمصلحة الآثار المصرية، والأمريكى تيودور ديفيز 1903 – 1912 واللورد كارنر فون 1907 – 1927 وغيرهم.
ونظراً لأن الحرب العالمية الأولى قد أوقفت الكثير من النشاطات الأثرية فى مصر ما بين أعوام 1914 و 1917، فقد عادت الحفائر بواسطة بعثة اللورد كارنر فون بقيادة هوارد كارتر عام 1917، وكادت أن تتوقف بعد خمسة اعوام لم ينجح كارتر فى اكتشاف آثار هامة فيها، ثم اعاد كارتر حفائره مره أخرى فى الأول من نوفمبر سنة 1922، وفى اليوم الرابع لبدء الحفر فى موقع بالقرب من مدخل مقبرة رمسيس السادس التى كانت مكتشفة من قبل فى وسط الوادى، عثر على أول درجة من درجات السلم التى قادت بعد ذلك لاكتشاف مقبرة توت عنخ أمون فى الرابع من نوفمبر، وكانت درجات السلم مدفونة فى رديم من كسر الحجارة توصل الى بابا محفور فى الصخر كان مغلقاً بكتل من الحجر الجيرى عليها "لياسة" من الجبس والطين وجدت عليها أختام الجبانة الملكية (ابن آوى والأقواس التسعة) وبعد ذلك كان هناك ممر منحدر ملىء بالرديم يوصل الى باب الدخول للحجرات السفلية التى قادت الى أعظم كشف أثرى فى تاريخ البشرية، الا وهو كنوز الملك توت عنخ امون.
وهنا أرسل كارتر برقية للورد كارنر فون يقول فيها "اخيراً عثرنا على كشف أثرى مهم فى الوادى مقبرة رائعة اختامها سليمة، وقد ردمناها لحين حضوركم. أقدم لك التهانى" وقد حضر كارنر فون الى الأقصر بعد ذلك وتم فتح المقبرة بعد إزالة أختام الملك توت عنخ أمون من على السدة الثانية لمدخل المقبرة حيث وضح ان المقبرة كانت قد فتحت للسرقة منها فى عصر رمسيس السادس (1123ق.م) أى بعد أكثر من 215 سنة من اغلاقها عام 1337، ثم أغلقت المقبرة وختمت مرة أخرى….
ويبدو أن ما حمى هذه المقبرة الخاصة بتوت عنخ آمون من السرقة هو حفر مقبرة رمسيس السادس فوقها وكانت قطع الأحجار الصغيرة المستخرجة منها تلقى فوق مدخل مقبرة توت عنخ آمون التى "نقرت" قبلها، ولذلك فقد كان من الصعب على لصوص المقابر فى ما تلا ذلك من عصور ان يتذكروا أن هناك مقبرة أخرى فى هذا المكان الذى توجد به مقبرة رمسيس السادس.
وقد كان يوم 26 نوفمبر 1922 يوماً مشهوداً وعلامة بارزة فى تاريخ الآثار المصرية حيث أزيلت السدة التى تفصل بين المنحدر والحجرات الداخلية للمقبرة، وعثر فى هذا المكان المسمى بالصالة المستعرضة على الكثير من قطع الأثاث والأوانى الحجرية والعجلات الحربية وحاويات الطعام التى اعتقد كارتر عند رؤيتها أنه عثر على مخزن أو خبيئة كنوز وادى الملوك التى جمعت وأنقذت من لصوص العصور القديمة، الا أنه اتضح بعد ذلك أن هذا الأثاث الجنائزى الرابع لشخص واحد هو توت عنخ آمون المسجل اسمه على أغلب هذه القطع الأثرية وهذا ما جعل كارتر يكتب فى مذكراته أن هذا اليوم هو "يوم الأيام، وأعظم ما عشت، ومن المؤكد أننى لا أمل أن أعيشه مرة أخرى" وقد تم فتح حجرة الدفن فى 17 فبراير 1923 فى حضور كارنر فون.
واكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سليمة تقريباً فى وادى الملوك عام 1922 أوضح لنا الكثير من العقائد الدينية والجنائزية الملكية فى مصر القديمة. فالملك يدفن معه كل متعلقاته الشخصية التى كان يستعملها فى حياته منذ كان طفلاً، فهناك لعب الأطفال التى تتحرك أجزاؤها، وهناك لعبه "الضاما" وعصى الصيد المقوسة (البوميرانج) وأدوات الكتابة من أقلام والواح والوان، وهناك الملابس والاكسسوارات والحلى التى تستعمل فى الحياة اليومية وفى رحلته للعالم الآخر، وضمن اثاث المقبرة كرسى العرش الوحيد الذى وصل لنا من حضارة المصريين القدماء والأسرة، كما وجدت هناك الصولجانات ورموز القداسة والحكم .. ولا ننسى العجلات التى كانت تجرها الخيول وأدوات القتال من سيوف وخناجر وأقواس وحراب، وهناك التابوت الذهبى للملك الذى يزن أكثر من 110 كيلوجرامات، والقناع الذهبى المرصع بالأحجار شبه الكريمة ووزنه أحد عشر كيلو جراماً، والذى كان يغطى وجه المومياء.
كما يوجد تابوتان آخران من الخشب المغطى بالذهب وهناك 314 تمثالاً من التماثيل المسماة المجيبة (الشوابتى) والتى كانت توضع فى المقبرة لكى تقوم بالعمل بدلاً من الملك فى العالم الآخر . كما يوجد 32 تمثالاً للملك وألهة العالم الآخر من الخشب المذهب، وعثر فى المقبرة ايضا على كثير من الصناديق المزخرفة بالمناظر الحربية ومناظر الصيد والترفيه والمقاصير الكبيرة من الخشب المذهب التى ملأت حجرة الدفن ونقشت عليها مناظر من كتب العالم السفلى تصور علاقة الملك مع الشمس والمعبودات المختلفة. وهناك فى المقصورة الكبرى قصة هلاك البشر التى تبشر بغفران الرب لعباده، حتى العاصين منهم.
ومن الآثار الهامة التى عثر عليها فى مقبرة الملك الشاب توت عنخ أمون مجموعة من 143 قطعة من الحلى الذهبية المرصعة بأحجار شبه كريمة أغلبها يمثل معبود الشمس بأشكاله المختلفة والقمر ايضاً، فهناك الأساور والأقراط والخواتم والصدريات والدلايات، بل هناك درع صنع للملك من الذهب ورصع بالأحجار والزجاج الملون وزخرف بأشكال المعبودات التى تحمى الملك وترعاه فى حياته وبعد وفاته، كما عثر هناك على مجموعة هائلة من الأوانى التى صنعت من الألبستر أهمها بالطبع ذلك الإناء الذى يمثل علامة الوحدة بين شطرى البلاد يربطهما معبود النيل، كما يوجد هناك مصباح ليلى (أباجورة) من الألباستر صنع بطريقة فنية رائعة تظهر صورة الملك مع زوجته عند اضاءته. ولمساعدة الملك فى رحلته للعالم الآخر ايضاً، صنعت له ثلاثة أسرة جنائزية لتحمله فوق ظهرها وتصعد به الى السموات البعيدة.
ويبدو أن ما سرق من المقبرة فى العصور القديمة كان بعض الحلى والعطور والزيوت وربما تمثال من الذهب لمعبودة كان موجوداً فى مقصورة صغيرة من الخشب المغشى بالذهب.
توت عنخ أمون ولعنة الفراعنة
بعد أن كشف هوارد كارتر مقبرة توت عنخ أمون توفى اللورد كارنر فون العجوز نتيجة الارهاق وربما من الحمى التى اصابته، وهنا ساد اعتقاد فى العالم الغربى أن "لعنة الفراعنة" هى التى أصابت اللورد، وانتشرت الفكرة على نطاق واسع، وأصبحت كل حادثة مؤسفة لأثريين مرتبطة بلعنة الفراعنة.
ونصوص اللعنات لمن يعتدى على المقابر ويسرقها معروفة منذ أقدم العصور، وفيها يستعين من يلعن بقوى عظمى لتساعده حيث يطلب من إحدى المعبودات أن تضر عدوه ضرراً بالغاً، وأن تحكم بينه وبين عدوه.
ونحن لا نعتقد بوجود "لعنة" ما أضرت باللورد كارنر فون الممول الرئيسى لعمليات كشف مقبرة توت عنخ أمون، ونرى أن وفاته ليس لها صلة بمثل هذه اللعنة. ولو كانت هناك لعنة لكانت قد أصابت هوارد كارتر مكتشف المقبرة الذى توفى بعد هذا الكشف بسبعة عشر عاماً، وعلى العكس تماماً فقد اشتهر اللورد كارنر فون وهوارد كارتر نفسه واقترن اسماهما باسم توت عنخ آمون منذ اكتشاف المقبرة والى الأبد. وسوف يجد زائر مقبرة توت عنخ أمون فى وادى الملوك بالأقصر، تابوتاً من حجر الكوارتزيت البنى اللون يحوى ثلاثة توابيت على هيئة الانسان، ويوجد الآن بالتابوت الحجرى التابوت الأكبر المصنوع من الخشب والمغشى بالذهب وبه مومياء توت عنخ أمون التى قاست من عبث المكتشفين الذين أرادوا نزع الحلى الذهبية سليمة ولم يراعوا حالة مومياء الملك الشاب الموجودة الآن داخل صندوق من الخشب ملىء بالرمال وحالتها سيئة. وآثار توت عنخ أمون موجود أغلبها فى المتحف المصرى بالقاهرة، والقليل منها فى متحف الأقصر، والأمل كبير فى أن تحظى هذه المجموعة الرائعة والفريدة بجناح كبير فى المتحف المصرى الجديد المزمع بناؤه فى الجيزة بالقرب من الأهرامات فى الأرض التى خصصت له عند مدخل طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوى على مساحة 117 فداناً حيث تتوفر المساحات الكافية للعرض، والبيئة الخالية من التلوث، والاضاءة المناسبة، ولكى تكون مجالاً للجذب السياحى الكبير والمتوقع فى المستقبل القريب بإذن الله.