اللغة العربية تنعي ذاتها
من آيات الله سبحانه وتعالى اختلاف اللغات بين البشر، { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم: 22) واللغة العربية أهم اللغات على وجه الأرض، لها منزلتها الرفيعة و مكانتها المرموقة في قلوب أبنائها، وقد زادت تلك المنزلة، وعلا شأنها، وذاع صيتها لمّا أنزل الله بها كتابه العظيم، والقرآن المبين، فنالت الشرف والرفعة والعزة، وصار الاعتناء بها والحرص عليها من متطلبات الإسلام العظيم، وهكذا كان الشأن لدى المسلمين تجاه لغتهم وقت قوتهم وعزهم، فلما ضعفوا وتكالب عليهم الأعداء، نال الأذى والضرر لغة القرآن، وبدأت اللغات الأخرى تزاحمها وتعتدي عليها، وصار بعض العرب يتباهي بلغة غيره، وتعددت مظاهر ذلك وتنوعت، الأمر الذي دفع بعض الشعراء والأدباء إلى الدفاع عن هذه اللغة العظيمة من خلال نصوص عربية أدبية رفيعة، لعلها تحرك ساكناً، وتبعث كامناً، وها نحن نختار قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم وهو يتكلم بلسان اللغة العربية، فيقول:
رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي وناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي
وَلَدْتُ ولمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي
وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً وغَايَةً وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَعِظِاتِ
فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ وتنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِني وَمِنْكُم وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي
فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي
أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَمِنْعَةً وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوا أَهْلَهُمْ بالمُعْجزَاتِ تَفَنُّنَاً فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ يُنَادِي بوَأْدِي في رَبيعِ حَيَاتي
وَلَوْ تَزْجُرُونَ الطَّيْرَ يَوْمَاً عَلِمْتُمُ بمَا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةٍ وَشَتَاتِ
سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمَاً يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتي
حَفِظْنَ وَدَادِي في البلَى وَحَفِظْتُهُ لَهُنَّ بقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ ، وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ حَيَاءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بالجَرَائِدِ مَزْلَقَاً مِنَ القَبْرِ يُدْنيني بغَيْرِ أَنَاةِ
وَأَسْمَعُ للكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً فَأَعْلَمُ أنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتي
أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ
سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
إِلَى مَعْشَرِ الكُتّابِ وَالجَمْعُ حَافِلٌ بَسَطْتُ رَجَائي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتي
فإمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البلَى وَتُنْبتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَمَاتِ
ثقافة و فكر
من آيات الله سبحانه وتعالى اختلاف اللغات بين البشر، { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم: 22) واللغة العربية أهم اللغات على وجه الأرض، لها منزلتها الرفيعة و مكانتها المرموقة في قلوب أبنائها، وقد زادت تلك المنزلة، وعلا شأنها، وذاع صيتها لمّا أنزل الله بها كتابه العظيم، والقرآن المبين، فنالت الشرف والرفعة والعزة، وصار الاعتناء بها والحرص عليها من متطلبات الإسلام العظيم، وهكذا كان الشأن لدى المسلمين تجاه لغتهم وقت قوتهم وعزهم، فلما ضعفوا وتكالب عليهم الأعداء، نال الأذى والضرر لغة القرآن، وبدأت اللغات الأخرى تزاحمها وتعتدي عليها، وصار بعض العرب يتباهي بلغة غيره، وتعددت مظاهر ذلك وتنوعت، الأمر الذي دفع بعض الشعراء والأدباء إلى الدفاع عن هذه اللغة العظيمة من خلال نصوص عربية أدبية رفيعة، لعلها تحرك ساكناً، وتبعث كامناً، وها نحن نختار قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم وهو يتكلم بلسان اللغة العربية، فيقول:
رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي وناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي
وَلَدْتُ ولمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي
وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً وغَايَةً وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَعِظِاتِ
فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ وتنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِني وَمِنْكُم وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي
فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي
أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَمِنْعَةً وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوا أَهْلَهُمْ بالمُعْجزَاتِ تَفَنُّنَاً فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ يُنَادِي بوَأْدِي في رَبيعِ حَيَاتي
وَلَوْ تَزْجُرُونَ الطَّيْرَ يَوْمَاً عَلِمْتُمُ بمَا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةٍ وَشَتَاتِ
سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمَاً يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتي
حَفِظْنَ وَدَادِي في البلَى وَحَفِظْتُهُ لَهُنَّ بقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ ، وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ حَيَاءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بالجَرَائِدِ مَزْلَقَاً مِنَ القَبْرِ يُدْنيني بغَيْرِ أَنَاةِ
وَأَسْمَعُ للكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً فَأَعْلَمُ أنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتي
أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ
سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
إِلَى مَعْشَرِ الكُتّابِ وَالجَمْعُ حَافِلٌ بَسَطْتُ رَجَائي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتي
فإمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البلَى وَتُنْبتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَمَاتِ
ثقافة و فكر