قال:
الكامل
زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ أَنَّ الأَحِبَّةَ آذَنوا بِتَناءِ
فَاِثلِج بِبَردِ الدَمعِ صَدراً واغِراً وَجَوانِحاً مَسجورَةَ الرَمضاءِ
لا تَأمُرَنّي بِالعَزاءِ وَقَد تَرى أَثَرَ الخَليطِ وَلاتَ حينَ عَزاءِ
قَصَرَ الفِراقُ عَنِ السُلُوِّ عَزيمَتي وَأَطالَ في تِلكَ الرُسومِ بُكائي
زِدني اِشتِياقاً بِالمُدامِ وَغَنِّني أَعزِز عَلَيَّ بِفُرقَةِ القُرَناءِ
فَلَعَلَّني أَلقى الرَدى فَيُريحُني عَمّا قَليلٍ مِن جَوى البُرَحاءِ
أَخَذَت ظُهورُ الصالِحِيَّةِ زينَةً عَجَباً مِنَ الصَفراءِ وَالحَمراءِ
نَسَجَ الرَبيعُ لِرَبعِها ديباجَةً مِن جَوهَرِ الأَنوارِ بِالأَنواءِ
بَكَتِ السَماءُ بِها رَذاذَ دُموعِها فَغَدَت تَبَسَّمُ عَن نُجومِ سَماءِ
في حُلَّةٍ خَضراءَ نَمنَمَ وَشيَها حَوكُ الرَبيعِ وَحُلَّةٍ صَفراءِ
فَاِشرَب عَلى زَهرِ الرِياضِ يَشوبُهُ زَهرُ الخُدودِ وَزَهرَةُ الصَهباءِ
مِن قَهوَةٍ تُنسي الهُمومَ وَتَبعَثُ ال شَوقَ الَّذي قَد ضَلَّ في الأَحشاءِ
يُخفي الزُجاجَةَ لَونُها فَكَأَنَّها في الكَفِّ قائِمَةٌ بِغَيرِ إِناءِ
وَلَها نَسيمٌ كَالرِياضِ تَنَفَّسَت في أَوجُهِ الأَرواحِ وَالأَنداءِ
وَفَواقِعٌ مِثلُ الدُموعِ تَرَدَّدَت في صَحنِ خَدِّ الكاعِبِ الحَسناءِ
يَسقيكَها رَشَأٌ يَكادُ يَرُدُّها سَكرى بِفَترَةِ مُقلَةٍ حَوراءِ
يَسعى بِها وَبِمِثلِها مِن طَرفِهِ عَوداً وَإِبداءً عَلى النُدَماءِ
ما لِلجَزيرَةِ وَالشَآمِ تَبَدَّلا بِكَ يا اِبنَ يوسُفَ ظُلمَةً بِضِياءِ
نَضَبَ الفُراتُ وَكانَ بَحراً زاخِراً وَاِسوَدَّ وَجهُ الرَقَّةِ البَيضاءِ
وَلَقَد تُرى بِأَبي سَعيدٍ مَرَّةً مُلقى الرِحالِ وَمَوسِمَ الشُعَراءِ
إِذ قَيظُها مِثلُ الرَبيعِ وَلَيلُها مِثلُ النَهارِ يُخالُ رَأدَ ضَحاءِ
رَحَلَ الأَميرُ مُحَمَّدٌ فَتَرَحَّلَت عَنها غَضارَةُ هَذِهِ النَعماءِ
وَالدَهرُ ذو دُوَلٍ تَنَقَّلُ في الوَرى أَيّامُهُنَّ تَنَقُّلَ الأَفياءِ
إِنَّ الأَميرَ مُحَمَّداً لَمُهَذَّبُ ال أَفعالِ في السَرّاءِ وَالضَرّاءِ
مَلِكٌ إِذا غَشِيَ السُيوفَ بِوَجهِهِ غَشِيَ الحِمامَ بِأَنفُسِ الأَعداءِ
قَسَمَت يَداهُ بِبَأسِهِ وَسَماحِهِ في الناسِ قِسمَي شِدَّةٍ وَرَخاءِ
مُلِئَت قُلوبُ العالَمينَ بِفِعلِهِ ال مَحمودِ مِن خَوفٍ لَهُ وَرَجاءِ
أَغنى جَماعَةَ طَيِّئٍ عَمّا اِبتَنَت آباؤُها القُدَماءُ لِلأَبناءِ
فَإِذا هُمُ اِفتَخَروا بِهِ لَم يَبجَحوا بِقَديمِ ما وَرِثوا مِنَ العَلياءِ
صَعِدوا جِبالاً مِن عُلاكَ كَأَنَّها هَضَباتُ قُدسَ وَيَذبُلٍ وَحِراءِ
وَاِستَمطَروا في المَحلِ مِنكَ خَلائِقاً أَصفى وَأَعذَبَ مِن زُلالِ الماءِ
وَضَمِنتَ ثَأرَ مُحَمَّدٍ لَهُمُ عَلى كَلَبِ العِدى وَتَخاذُلِ الأَحياءِ
ما اِنفَكَّ سَيفُكَ غادِياً أَو رائِحاً في حَصدِ هاماتٍ وَسَفكِ دِماءِ
حَتّى كَفَيتَهُمُ الَّذي اِستَكفَوكَ مِن أَمرِ العِدى وَوَفَيتَ أَيَّ وَفاءِ
مازِلتَ تَقرَعُ بابَ بابَكَ بِالقَنا وَتَزورُهُ في غارَةٍ شَعواءِ
حَتّى أَخَذتَ بِنَصلِ سَيفِكَ عَنوَةً مِنهُ الَّذي أَعيا عَلى الخُلَفاءِ
أَخلَيتَ مِنهُ البَذَّ وَهيَ قَرارُهُ وَنَصَبتَهُ عَلَماً بِسامُرّاءِ
لَم يُبقِ مِنهُ خَوفُ بَأسِكَ مَطعَماً لِلطَيرِ في عَودٍ وَلا إِبداءِ
فَتَراهُ مُطَّرِداً عَلى أَعوادِهِ مِثلَ اِطِّرادِ كَواكِبِ الجَوزاءِ
مُستَشرِفاً لِلشَمسِ مُنتَصِباً لَها في أُخرَياتِ الجِذعِ كَالحِرباءِ
وَوَصَلتَ أَرضَ الرومِ وَصلَ كُثَيِّرٍ أَطلالَ عَزَّةَ في لِوى تَيماءِ
في كُلِّ يَومٍ قَد نَتَجتَ مَنِيَّةً لِحُماتِها مِن حَربِكَ العُشَراءِ
سَهَّلتَ مِنها وَعرَ كُلِّ حُزونَةٍ وَمَلَأتَ مِنها عَرضَ كُلِّ فَضاءِ
بِالخَيلِ تَحمِلُ كُلَّ أَشعَثَ دارِعٍ وَتُواصِلُ الإِدلاجَ بِالإِسراءِ
وَعَصائِبٍ يَتَهافَتونَ إِذا اِرتَمى بِهِمُ الوَغى في غَمرَةِ الهَيجاءِ
مِثلَ اليَراعِ بَدَت لَهُ نارٌ وَقَد لَفَّتهُ ظُلمَةُ لَيلَةٍ لَيلاءِ
يَمشونَ في زَغَفٍ كَأَنَّ مُتونَها في كُلِّ مَعرَكَةٍ مُتونُ نِهاءِ
بيضٌ تَسيلُ عَلى الكُماةِ فُضولُها سَيلَ السَرابِ بِقَفرَةٍ بَيداءِ
فَإِذا الأَسِنَّةُ خالَطَتها خِلتَها فيها خَيالَ كَواكِبٍ في ماءِ
أَبناءُ مَوتٍ يَطرَحونَ نُفوسَهُم تَحتَ المَنايا كُلَّ يَومِ لِقاءِ
في عارِضٍ يَدِقُ الرَدى أَلهَبتَهُ بِصَواعِقِ العَزَماتِ وَالآراءِ
أَشلى عَلى مَنويلَ أَطرافَ القَنا فَنَجا عَتيقَ عَتيقَةٍ جَرداءِ
وَلَوَ انَّهُ أَبطا لَهُنَّ هُنَيهَةً لَصَدَرنَ عَنهُ وَهُنَّ غَيرُ ظِماءِ
فَلَئِن تَبَقّاهُ القَضاءُ لِوَقتِهِ فَلَقَد عَمَمتَ جُنودَهُ بِفَناءِ
أَثكَلتَهُ أَشياعَهُ وَتَرَكتَهُ لِلمَوتِ مُرتَقِباً صَباحَ مَساءِ
حَتّى لَوِ اِرتَشَفَ الحَديدَ أَذابَهُ بِالوَقدِ مِن أَنفاسِهِ الصُعَداءِ
وقال أيضاً:
الخفيف
يا أَخا الأَزدِ ما حَفِظتَ الإِخاءَ لِمُحِبٍّ وَلا رَعَيتَ الوَفاءَ
عَذَلاً يَترُكُ الحَنينَ أَنيناً في هَوىً يَترُكُ الدُموعَ دِماءَ
لا تَلُمني عَلى البُكاءِ فَإِنّي نِضوُ شَجوٍ ما لُمتُ فيهِ البُكاءَ
كَيفَ أَغدو مِنَ الصَبابَةِ خِلواً بَعدَ ما راحَتِ الدِيارُ خَلاءَ
غِبَّ عَيشٍ بِها غَريرٍ وَكانَ ال عَيشُ في عَهدِ تُبَّعٍ أَفياءَ
قِف بِها وَقفَةً تَرُدُّ عَلَيها أَدمُعاً رَدَّها الجَوى أَنضاءَ
إِنَّ لِلبَينِ مِنَّةً ما تُؤَدّى وَيَداً في تُماضِرٍ بَيضاءَ
حَجَبوها حَتّى بَدَت لِفِراقٍ كانَ داءً لِعاشِقٍ وَدَواءَ
أَضحَكَ البَينُ يَومَ ذاكَ وَأَبكى كُلَّ ذي صَبوَةٍ وَسَرَّ وَساءَ
فَجَعَلنا الوَداعَ فيهِ سَلاماً وَجَعَلنا الفِراقَ فيهِ لِقاءَ
وَوَشَت بي إِلى الوُشاةِ دُموعُ ال عَينِ حَتّى حَسِبتُها أَعداءَ
قُل لِداعي الغَمامِ لَبَّيكَ وَاِحلُل عُقَلَ العيسِ كَي تُجيبَ الدُعاءَ
عارِضٌ مِن أَبي سَعيدٍ دَعانا بِسَنا بَرقِهِ غَداةَ تَراءى
كَيفَ نُثني عَلى اِبنِ يوسُفَ لا كَي فَ سَرى مَجدُهُ فَفاتَ الثَناءَ
جادَ حَتّى أَفنى السُؤالَ فَلَمّا بادَ مِنّا السُؤالُ جادَ اِبتِداءَ
صامِتِيٌّ يَمُدُّ في كَرَمِ الفِع لِ يَداً مِنهُ تَخلُفُ الأَنواءَ
فَهوَ يُعطي جَزلاً وَيُثنى عَلَيهِ ثُمَّ يُعطي عَلى الثَناءِ جَزاءَ
نِعَمٌ أَعطَتِ العُفاةَ رِضاهُم مِن لُهاها وَزادَتِ الشُعَراءَ
وَكَذاكَ السَحابُ لَيسَ يَعُمُّ ال أَرضَ وَبلاً حَتّى يَعُمَّ السَماءَ
جَلَّ عَن مَذهَبِ المَديحِ فَقَد كا دَ يَكونُ المَديحُ فيهِ هِجاءَ
وَجَرى جودُهُ رَسيلاً لِجودِ ال غَيثِ مِن غايَةٍ فَجاءا سَواءَ
الهِزَبرُ الَّذي إِذا اِلتَفَّتِ الحَر بُ بِهِ صَرَّفَ الرَدى كَيفَ شاءَ
تَتَدانى الآجالُ ضَرباً وَطَعناً حينَ يَدنو فَيَشهَدُ الهَيجاءَ
سَل بِهِ إِن جَهِلتَ قَولي وَهَل يَج هَلُ ذو الناظِرَينِ هَذا الضِياءَ
إِذ مَضى مُجلِباً يُقَعقِعُ في الدَر بِ زَئيراً أَنسى الكِلابَ العُواءَ
حينَ حاضَت مِن خَوفِهِ رَبَّةُ الرو مِ صَباحاً وَراسَلَتهُ مَساءَ
وَصُدورُ الجِيادِ في جانِبِ البَح رِ فَلَولا الخَليجُ جُزنَ ضَحاءَ
ثُمَّ أَلقى صَليبَهُ المَلسَنيو سُ وَوالى خَلفَ النَجاءِ النَجاءَ
لَم تُقَصِّر عُلاوَةُ الرُمحِ عَنهُ قيدَ رُمحٍ وَلَم تَضَعهُ خَطاءَ
أَحسَنَ اللَهُ في ثَوابِكَ عَن ثَغ رٍ مُضاعٍ أَحسَنتَ فيهِ البَلاءَ
كانَ مُستَضعَفاً فَعَزَّ وَمَحرو ماً فَأَجدى وَمُظلِماً فَأَضاءَ
لَتَوَلَّيتَهُ فَكُنتَ لِأَهلي هِ غِنىً مُقنِعاً وَعَنهُم غَناءَ
لَم تَنَم عَن دُعائِهِم حينَ نادَوا وَالقَنا قَد أَسالَ فيهِم قَناءَ
إِذ تَغَدّى العُلوجُ مِنهُم غُدُوّاً فَتَعَشَّتهُمُ يَداكَ عِشاءَ
لَم تُسِغهُم بَرودُ جَيحانَ حَتّى قَلَسوا في الرِماحِ ذاكَ الماءَ
وَكَأَنَّ النَفيرَ حَطَّ عَلَيهِم مِنكَ نَجماً أَو صَخرَةً صَمّاءَ
لَم يَكُن جَمعُهُم عَلى المَوجِ إِلّا زَبَداً طارَ عَن قَناكَ جُفاءَ
حينَ أَبدَت إِلَيكَ خَرشَنَةُ العُل يا مِنَ الثَلجِ هامَةً شَمطاءَ
ما نَهاكَ الشِتاءُ عَنها وَفي صَد رِكَ نارٌ لِلحِقدِ تُنهي الشِتاءَ
طالَعَتكَ الأَبناءُ مِن شُرَفِ الأَب راجِ زُرقاً إِذ تَذبَحُ الآباءَ
بِتَّها وَالقُرانُ يَصدَعُ فيها ال هَضبَ حَتّى كادَت تَكونُ حِراءَ
وَأَقَمتَ الصَلاةَ في مَعشَرٍ لا يَعرِفونَ الصَلاةَ إِلّا مُكاءَ
في نَواحي بُرجانَ إِذ أَنكَروا التَك بيرَ حَتّى تَوَهَّموهُ غِناءَ
حَيثُ لَم تورِدِ السُيوفَ عَلى خِم سٍ وَلَم تُصدِرِ الرِماحَ ظِماءَ
يَتَعَثَّرنَ في النُحورِ وَفي الأَو جُهِ سُكراً لَمّا شَرِبنَ الدِماءَ
وَأَزَرتَ الخُيولَ قَبرَ امرِئِ القَي سِ سِراعاً فَعُدنَ مِنهُ بِطاءَ
وَجَلَبتَ الحِسانَ حُوّاً وَحوراً آنِساتٍ حَتّى أَغَرتَ النِساءَ
لَم تَدَعكَ المَها الَّتي شَغَلَت جَي شَكَ بِالسَوقِ أَن تَسوقَ الشاءَ
عَلِمَ الرومُ أَنَّ غَزوَكَ ما كا نَ عِقاباً لَهُم وَلَكِن فَناءَ
بِسِباءٍ سَقاهُمُ البَينَ صِرفاً وَبِقَتلٍ نَسَوا لَدَيهِ السِباءَ
يَومَ فَرَّقتَ مِن كَتائِبِ آرا ئِكَ جُنداً لا يَأخُذونَ عَطاءَ
بَينَ ضَربٍ يُفلِّقُ الهامَ أَنصا فاً وَطَعنٍ يُفَرِّجُ الغَمّاءَ
وَبِوُدِّ العَدُوِّ لَو تُضعِفُ الجَي شَ عَلَيهِم وَتَصرِفُ الآراءَ
خَلَقَ اللَهُ يا مُحَمَّدُ أَخلا قَكَ مَجداً في طَيِّئٍ وَسَناءَ
فَإِذا ما رِياحُ جودِكَ هَبَّت صارَ قَولُ العُذّالِ فيها هَباءَ
الكامل
زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ أَنَّ الأَحِبَّةَ آذَنوا بِتَناءِ
فَاِثلِج بِبَردِ الدَمعِ صَدراً واغِراً وَجَوانِحاً مَسجورَةَ الرَمضاءِ
لا تَأمُرَنّي بِالعَزاءِ وَقَد تَرى أَثَرَ الخَليطِ وَلاتَ حينَ عَزاءِ
قَصَرَ الفِراقُ عَنِ السُلُوِّ عَزيمَتي وَأَطالَ في تِلكَ الرُسومِ بُكائي
زِدني اِشتِياقاً بِالمُدامِ وَغَنِّني أَعزِز عَلَيَّ بِفُرقَةِ القُرَناءِ
فَلَعَلَّني أَلقى الرَدى فَيُريحُني عَمّا قَليلٍ مِن جَوى البُرَحاءِ
أَخَذَت ظُهورُ الصالِحِيَّةِ زينَةً عَجَباً مِنَ الصَفراءِ وَالحَمراءِ
نَسَجَ الرَبيعُ لِرَبعِها ديباجَةً مِن جَوهَرِ الأَنوارِ بِالأَنواءِ
بَكَتِ السَماءُ بِها رَذاذَ دُموعِها فَغَدَت تَبَسَّمُ عَن نُجومِ سَماءِ
في حُلَّةٍ خَضراءَ نَمنَمَ وَشيَها حَوكُ الرَبيعِ وَحُلَّةٍ صَفراءِ
فَاِشرَب عَلى زَهرِ الرِياضِ يَشوبُهُ زَهرُ الخُدودِ وَزَهرَةُ الصَهباءِ
مِن قَهوَةٍ تُنسي الهُمومَ وَتَبعَثُ ال شَوقَ الَّذي قَد ضَلَّ في الأَحشاءِ
يُخفي الزُجاجَةَ لَونُها فَكَأَنَّها في الكَفِّ قائِمَةٌ بِغَيرِ إِناءِ
وَلَها نَسيمٌ كَالرِياضِ تَنَفَّسَت في أَوجُهِ الأَرواحِ وَالأَنداءِ
وَفَواقِعٌ مِثلُ الدُموعِ تَرَدَّدَت في صَحنِ خَدِّ الكاعِبِ الحَسناءِ
يَسقيكَها رَشَأٌ يَكادُ يَرُدُّها سَكرى بِفَترَةِ مُقلَةٍ حَوراءِ
يَسعى بِها وَبِمِثلِها مِن طَرفِهِ عَوداً وَإِبداءً عَلى النُدَماءِ
ما لِلجَزيرَةِ وَالشَآمِ تَبَدَّلا بِكَ يا اِبنَ يوسُفَ ظُلمَةً بِضِياءِ
نَضَبَ الفُراتُ وَكانَ بَحراً زاخِراً وَاِسوَدَّ وَجهُ الرَقَّةِ البَيضاءِ
وَلَقَد تُرى بِأَبي سَعيدٍ مَرَّةً مُلقى الرِحالِ وَمَوسِمَ الشُعَراءِ
إِذ قَيظُها مِثلُ الرَبيعِ وَلَيلُها مِثلُ النَهارِ يُخالُ رَأدَ ضَحاءِ
رَحَلَ الأَميرُ مُحَمَّدٌ فَتَرَحَّلَت عَنها غَضارَةُ هَذِهِ النَعماءِ
وَالدَهرُ ذو دُوَلٍ تَنَقَّلُ في الوَرى أَيّامُهُنَّ تَنَقُّلَ الأَفياءِ
إِنَّ الأَميرَ مُحَمَّداً لَمُهَذَّبُ ال أَفعالِ في السَرّاءِ وَالضَرّاءِ
مَلِكٌ إِذا غَشِيَ السُيوفَ بِوَجهِهِ غَشِيَ الحِمامَ بِأَنفُسِ الأَعداءِ
قَسَمَت يَداهُ بِبَأسِهِ وَسَماحِهِ في الناسِ قِسمَي شِدَّةٍ وَرَخاءِ
مُلِئَت قُلوبُ العالَمينَ بِفِعلِهِ ال مَحمودِ مِن خَوفٍ لَهُ وَرَجاءِ
أَغنى جَماعَةَ طَيِّئٍ عَمّا اِبتَنَت آباؤُها القُدَماءُ لِلأَبناءِ
فَإِذا هُمُ اِفتَخَروا بِهِ لَم يَبجَحوا بِقَديمِ ما وَرِثوا مِنَ العَلياءِ
صَعِدوا جِبالاً مِن عُلاكَ كَأَنَّها هَضَباتُ قُدسَ وَيَذبُلٍ وَحِراءِ
وَاِستَمطَروا في المَحلِ مِنكَ خَلائِقاً أَصفى وَأَعذَبَ مِن زُلالِ الماءِ
وَضَمِنتَ ثَأرَ مُحَمَّدٍ لَهُمُ عَلى كَلَبِ العِدى وَتَخاذُلِ الأَحياءِ
ما اِنفَكَّ سَيفُكَ غادِياً أَو رائِحاً في حَصدِ هاماتٍ وَسَفكِ دِماءِ
حَتّى كَفَيتَهُمُ الَّذي اِستَكفَوكَ مِن أَمرِ العِدى وَوَفَيتَ أَيَّ وَفاءِ
مازِلتَ تَقرَعُ بابَ بابَكَ بِالقَنا وَتَزورُهُ في غارَةٍ شَعواءِ
حَتّى أَخَذتَ بِنَصلِ سَيفِكَ عَنوَةً مِنهُ الَّذي أَعيا عَلى الخُلَفاءِ
أَخلَيتَ مِنهُ البَذَّ وَهيَ قَرارُهُ وَنَصَبتَهُ عَلَماً بِسامُرّاءِ
لَم يُبقِ مِنهُ خَوفُ بَأسِكَ مَطعَماً لِلطَيرِ في عَودٍ وَلا إِبداءِ
فَتَراهُ مُطَّرِداً عَلى أَعوادِهِ مِثلَ اِطِّرادِ كَواكِبِ الجَوزاءِ
مُستَشرِفاً لِلشَمسِ مُنتَصِباً لَها في أُخرَياتِ الجِذعِ كَالحِرباءِ
وَوَصَلتَ أَرضَ الرومِ وَصلَ كُثَيِّرٍ أَطلالَ عَزَّةَ في لِوى تَيماءِ
في كُلِّ يَومٍ قَد نَتَجتَ مَنِيَّةً لِحُماتِها مِن حَربِكَ العُشَراءِ
سَهَّلتَ مِنها وَعرَ كُلِّ حُزونَةٍ وَمَلَأتَ مِنها عَرضَ كُلِّ فَضاءِ
بِالخَيلِ تَحمِلُ كُلَّ أَشعَثَ دارِعٍ وَتُواصِلُ الإِدلاجَ بِالإِسراءِ
وَعَصائِبٍ يَتَهافَتونَ إِذا اِرتَمى بِهِمُ الوَغى في غَمرَةِ الهَيجاءِ
مِثلَ اليَراعِ بَدَت لَهُ نارٌ وَقَد لَفَّتهُ ظُلمَةُ لَيلَةٍ لَيلاءِ
يَمشونَ في زَغَفٍ كَأَنَّ مُتونَها في كُلِّ مَعرَكَةٍ مُتونُ نِهاءِ
بيضٌ تَسيلُ عَلى الكُماةِ فُضولُها سَيلَ السَرابِ بِقَفرَةٍ بَيداءِ
فَإِذا الأَسِنَّةُ خالَطَتها خِلتَها فيها خَيالَ كَواكِبٍ في ماءِ
أَبناءُ مَوتٍ يَطرَحونَ نُفوسَهُم تَحتَ المَنايا كُلَّ يَومِ لِقاءِ
في عارِضٍ يَدِقُ الرَدى أَلهَبتَهُ بِصَواعِقِ العَزَماتِ وَالآراءِ
أَشلى عَلى مَنويلَ أَطرافَ القَنا فَنَجا عَتيقَ عَتيقَةٍ جَرداءِ
وَلَوَ انَّهُ أَبطا لَهُنَّ هُنَيهَةً لَصَدَرنَ عَنهُ وَهُنَّ غَيرُ ظِماءِ
فَلَئِن تَبَقّاهُ القَضاءُ لِوَقتِهِ فَلَقَد عَمَمتَ جُنودَهُ بِفَناءِ
أَثكَلتَهُ أَشياعَهُ وَتَرَكتَهُ لِلمَوتِ مُرتَقِباً صَباحَ مَساءِ
حَتّى لَوِ اِرتَشَفَ الحَديدَ أَذابَهُ بِالوَقدِ مِن أَنفاسِهِ الصُعَداءِ
وقال أيضاً:
الخفيف
يا أَخا الأَزدِ ما حَفِظتَ الإِخاءَ لِمُحِبٍّ وَلا رَعَيتَ الوَفاءَ
عَذَلاً يَترُكُ الحَنينَ أَنيناً في هَوىً يَترُكُ الدُموعَ دِماءَ
لا تَلُمني عَلى البُكاءِ فَإِنّي نِضوُ شَجوٍ ما لُمتُ فيهِ البُكاءَ
كَيفَ أَغدو مِنَ الصَبابَةِ خِلواً بَعدَ ما راحَتِ الدِيارُ خَلاءَ
غِبَّ عَيشٍ بِها غَريرٍ وَكانَ ال عَيشُ في عَهدِ تُبَّعٍ أَفياءَ
قِف بِها وَقفَةً تَرُدُّ عَلَيها أَدمُعاً رَدَّها الجَوى أَنضاءَ
إِنَّ لِلبَينِ مِنَّةً ما تُؤَدّى وَيَداً في تُماضِرٍ بَيضاءَ
حَجَبوها حَتّى بَدَت لِفِراقٍ كانَ داءً لِعاشِقٍ وَدَواءَ
أَضحَكَ البَينُ يَومَ ذاكَ وَأَبكى كُلَّ ذي صَبوَةٍ وَسَرَّ وَساءَ
فَجَعَلنا الوَداعَ فيهِ سَلاماً وَجَعَلنا الفِراقَ فيهِ لِقاءَ
وَوَشَت بي إِلى الوُشاةِ دُموعُ ال عَينِ حَتّى حَسِبتُها أَعداءَ
قُل لِداعي الغَمامِ لَبَّيكَ وَاِحلُل عُقَلَ العيسِ كَي تُجيبَ الدُعاءَ
عارِضٌ مِن أَبي سَعيدٍ دَعانا بِسَنا بَرقِهِ غَداةَ تَراءى
كَيفَ نُثني عَلى اِبنِ يوسُفَ لا كَي فَ سَرى مَجدُهُ فَفاتَ الثَناءَ
جادَ حَتّى أَفنى السُؤالَ فَلَمّا بادَ مِنّا السُؤالُ جادَ اِبتِداءَ
صامِتِيٌّ يَمُدُّ في كَرَمِ الفِع لِ يَداً مِنهُ تَخلُفُ الأَنواءَ
فَهوَ يُعطي جَزلاً وَيُثنى عَلَيهِ ثُمَّ يُعطي عَلى الثَناءِ جَزاءَ
نِعَمٌ أَعطَتِ العُفاةَ رِضاهُم مِن لُهاها وَزادَتِ الشُعَراءَ
وَكَذاكَ السَحابُ لَيسَ يَعُمُّ ال أَرضَ وَبلاً حَتّى يَعُمَّ السَماءَ
جَلَّ عَن مَذهَبِ المَديحِ فَقَد كا دَ يَكونُ المَديحُ فيهِ هِجاءَ
وَجَرى جودُهُ رَسيلاً لِجودِ ال غَيثِ مِن غايَةٍ فَجاءا سَواءَ
الهِزَبرُ الَّذي إِذا اِلتَفَّتِ الحَر بُ بِهِ صَرَّفَ الرَدى كَيفَ شاءَ
تَتَدانى الآجالُ ضَرباً وَطَعناً حينَ يَدنو فَيَشهَدُ الهَيجاءَ
سَل بِهِ إِن جَهِلتَ قَولي وَهَل يَج هَلُ ذو الناظِرَينِ هَذا الضِياءَ
إِذ مَضى مُجلِباً يُقَعقِعُ في الدَر بِ زَئيراً أَنسى الكِلابَ العُواءَ
حينَ حاضَت مِن خَوفِهِ رَبَّةُ الرو مِ صَباحاً وَراسَلَتهُ مَساءَ
وَصُدورُ الجِيادِ في جانِبِ البَح رِ فَلَولا الخَليجُ جُزنَ ضَحاءَ
ثُمَّ أَلقى صَليبَهُ المَلسَنيو سُ وَوالى خَلفَ النَجاءِ النَجاءَ
لَم تُقَصِّر عُلاوَةُ الرُمحِ عَنهُ قيدَ رُمحٍ وَلَم تَضَعهُ خَطاءَ
أَحسَنَ اللَهُ في ثَوابِكَ عَن ثَغ رٍ مُضاعٍ أَحسَنتَ فيهِ البَلاءَ
كانَ مُستَضعَفاً فَعَزَّ وَمَحرو ماً فَأَجدى وَمُظلِماً فَأَضاءَ
لَتَوَلَّيتَهُ فَكُنتَ لِأَهلي هِ غِنىً مُقنِعاً وَعَنهُم غَناءَ
لَم تَنَم عَن دُعائِهِم حينَ نادَوا وَالقَنا قَد أَسالَ فيهِم قَناءَ
إِذ تَغَدّى العُلوجُ مِنهُم غُدُوّاً فَتَعَشَّتهُمُ يَداكَ عِشاءَ
لَم تُسِغهُم بَرودُ جَيحانَ حَتّى قَلَسوا في الرِماحِ ذاكَ الماءَ
وَكَأَنَّ النَفيرَ حَطَّ عَلَيهِم مِنكَ نَجماً أَو صَخرَةً صَمّاءَ
لَم يَكُن جَمعُهُم عَلى المَوجِ إِلّا زَبَداً طارَ عَن قَناكَ جُفاءَ
حينَ أَبدَت إِلَيكَ خَرشَنَةُ العُل يا مِنَ الثَلجِ هامَةً شَمطاءَ
ما نَهاكَ الشِتاءُ عَنها وَفي صَد رِكَ نارٌ لِلحِقدِ تُنهي الشِتاءَ
طالَعَتكَ الأَبناءُ مِن شُرَفِ الأَب راجِ زُرقاً إِذ تَذبَحُ الآباءَ
بِتَّها وَالقُرانُ يَصدَعُ فيها ال هَضبَ حَتّى كادَت تَكونُ حِراءَ
وَأَقَمتَ الصَلاةَ في مَعشَرٍ لا يَعرِفونَ الصَلاةَ إِلّا مُكاءَ
في نَواحي بُرجانَ إِذ أَنكَروا التَك بيرَ حَتّى تَوَهَّموهُ غِناءَ
حَيثُ لَم تورِدِ السُيوفَ عَلى خِم سٍ وَلَم تُصدِرِ الرِماحَ ظِماءَ
يَتَعَثَّرنَ في النُحورِ وَفي الأَو جُهِ سُكراً لَمّا شَرِبنَ الدِماءَ
وَأَزَرتَ الخُيولَ قَبرَ امرِئِ القَي سِ سِراعاً فَعُدنَ مِنهُ بِطاءَ
وَجَلَبتَ الحِسانَ حُوّاً وَحوراً آنِساتٍ حَتّى أَغَرتَ النِساءَ
لَم تَدَعكَ المَها الَّتي شَغَلَت جَي شَكَ بِالسَوقِ أَن تَسوقَ الشاءَ
عَلِمَ الرومُ أَنَّ غَزوَكَ ما كا نَ عِقاباً لَهُم وَلَكِن فَناءَ
بِسِباءٍ سَقاهُمُ البَينَ صِرفاً وَبِقَتلٍ نَسَوا لَدَيهِ السِباءَ
يَومَ فَرَّقتَ مِن كَتائِبِ آرا ئِكَ جُنداً لا يَأخُذونَ عَطاءَ
بَينَ ضَربٍ يُفلِّقُ الهامَ أَنصا فاً وَطَعنٍ يُفَرِّجُ الغَمّاءَ
وَبِوُدِّ العَدُوِّ لَو تُضعِفُ الجَي شَ عَلَيهِم وَتَصرِفُ الآراءَ
خَلَقَ اللَهُ يا مُحَمَّدُ أَخلا قَكَ مَجداً في طَيِّئٍ وَسَناءَ
فَإِذا ما رِياحُ جودِكَ هَبَّت صارَ قَولُ العُذّالِ فيها هَباءَ